الصفحات الأخيرة في أجندة 2024 توشك على الانتهاء، والدفتر يحمل في طياته دفقات متنوعة من الحكايات يتجول فيها الخيال بحثاً عن شخصيات جديدة تحكي لنا عن شخصيات خيالية نتلصص عليهم في قراءات نهارية وليلية رائقة.
في ختام كل عام أنتظر تلك اللحظات التي أستدعي فيها قراءاتي لإنتاجات العام الأدبية، وهذا العام قررنا ألا نحصر قائمة أفضل الروايات في نطاق جغرافي محدد، لتتنوع القائمة فتشمل أفضل الأعمال الروائية التي صدرت في المكتبات العربية لعام 2024، سواء كانت مصرية أو عربية أو مترجمة.
تتنوع إنتاجات الروايات المختارة بين مصر وفلسطين وسوريا وكولومبيا وزمبابوي واليابان، بين أصوات نسائية ورجالية، وبين أعمار وأجيال أدبية مختلفة، ذلك التنوع يكشف لنا شيئاً ما عن سياقات الخيال الإبداعي في إنتاجات وقراءات هذا العام.
غلاف رواية «السيرة قبل الأخيرة للبيوت»
البيوت في حياة بطلة الرواية ليست مجرد أماكن للسكن تتنقل إليها، لكن البيوت بمعناها الأشمل هي جزء من تكوين ورسم شخصية البطلة، التي تبحث عن البيوت وتؤجرها لتسكنها لكنها لا تملك بيتاً، ولهذا لا تملك شعوراً مطلقاً بالأمان.
بين مرض الأب وموته، وذكريات الطفولة البعيدة، وعلاقة غير محسومة وعابرة تتنقل الكاتبة مريم حسين بسلاسة وفنية عالية عبر مشاهد مرسومة بعناية لبطلة الرواية التي تملك مفاتيح لأماكن ومشاعر لا تخصها، لكنها تفتح الأبواب لتنتمي إلى هذا العالم، لجدران البيوت وذاكرتها الحاضرة بقوة. تنقلنا الكاتبة بسرعة وخفة بين لحظة حالية ولحظة بعيدة استدعتها البطلة من ذاكرتها، وتتنوع لغة الرواية بين حنين جارف وسخرية وحزن ونشوة للحب، كتقلب الفصول والمشاعر اليومية العادية.
مما يجعل «السيرة قبل الأخيرة للبيوت» في صدارة الاختيارات هو براعة الكاتبة مريم حسين في رسم عالمها بالكامل في أول أعمالها الروائية، دفقة ممتعة من الكاتبة تتنقل بين الأزمة وأصوات البطلة الداخلية ومحيطها الخارجي، احتاجت في بعض الفصول إلى مزيد من التشذيب وضبط الإيقاع، لكنها خرجت في النهاية كلحن واحد منساب يلائم الحنين الدائم للبيوت، ويشبهها.
الرواية صادرة عن دار المرايا.
غلاف رواية «اللعب بالجنود»
كل رواية فلسطينية تضعنا في مزاج محدد قبل قراءتها، نعرف أننا سنواجه حرباً، وعدواً مشتركاً، وأبطالاً يحملون مفاتيح بيوتهم ويبحثون داخل الوطن عن وطن. لكن كل هذه الأفكار الكبرى عن القضية الفلسطينية لا تطرح بوضوح في رواية «اللعب بالجنود» ذلك لأنها تقترب من الواقع الفلسطيني من منظور مختلف تماماً، واقعي يكشف ما لا نعرفه عن تفاصيل الحياة اليومية في الأراضي المحتلة، وبعيون أطفال صغار سئموا من ألعابهم الطفولية ومراقبة جارتهم الجميلة من خلف نافذتها المفتوحة فقرروا أن يلعبوا لعبة جديدة مسلية «ففي تلك الحارة يلعب الأولاد ألعاباً جماعية كثيرة، ككرة القدم، وطابة وسبع حجار، إلا أن لعبتهم الأثيرة دائماً هي اللعب بجنود الاحتلال».
رواية بسيطة في لغتها وسردها، عميقة في معناها ومجازها، تتراوح بين الخفة والجدية، وتكشف لنا عن جانب مغاير من الأدب الفلسطيني، وتؤكد أن مقاومة الاحتلال أشبه بجين فطري مزروع في قلب الصغار قبل أن تكون أيديولوجية وعقيدة يعتنقها الكبار.
اللعب بالجنود للكاتب الفلسطيني طارق عسراوي صادرة عن منشورات تكوين، وطباق للنشر والتوزيع.
غلاف رواية «أميرة البحار السبعة»
بعد نوفيلاته الثلاثة ال صادرة في دفعة واحدة عن دار المرايا قبل عامين، بات انتظار كل عمل جديد لمحمد عبدالجواد شعراً ثابتاً ومتكرراً بين أغلب القراء والكتاب، لأننا أصبحنا على دراية بعالمه الأدبي، نتوقع حكاياته التي تتجول في الشوارع في أعمق وأبعد نقاط على خريطة المدينة، وبين شخصيات مميزة بالأسماء والصفات والطبائع وحتى الحكايات الغريبة.
أميرة هي بطلة جديدة من أبطال عبدالجواد الشعبيين، ورغم غرائبية أسطورتها فإن القارئ يشعر بأنها حقيقية، بالصورة التي تتصدر غلاف الرواية، بالمجاز المختبئ في عالمها، بأسطورة ميلادها ولعنة الظفارة التي تغلفها برائحة منفرة. أجاد عبدالجواد في «أميرة البحار السبعة» رسم دائرة هذا العالم النسائي الخاص، المحاطة بدائرة أكبر من عالم الرجال، رواية لا تخلو من ملذات الدنيا، الحب والأكل والغوص في أحلام تتجاوز بحر الإسكندرية ومساكن بسطاء المدينة.
صدرت الرواية في مطلع العام عن دار المرايا للنشر.
غلاف رواية «موعدنا في شهر آب»
ما يحركنا جميعاً تجاه رواية «موعدنا في شهر آب» أنها عمل جديد يصدر لأول مرة لجابريال جارسيا ماركيز، عمل لم يشهد اكتماله وصدوره في حياته، بل إنها آخر كتاباته التي تشعر معها أن ماركيز يموت لكن حكاياته لا تموت.
الرواية بسيطة ورائقة عن امرأة اعتاد كل عام في ذكرى وفاة والدتها أن تزور قبرها لتضع عليه الزهور، تنفصل عن حياتها ليوم واحد كل عام وكأنها تنفلت لتكون امرأة أخرى غيرها، تعيش حياة سرية وموازية سرعان ما تتلاشى بعودتها إلى بيتها، وكل فصل من فصول الرواية هو يوم جديد من أيام تغيرها تلك. وببراعة خاصة أجاد ماركيز الإبحار في وجدان ومشاعر امرأة تراقب في صمت تغيرات مشاعرها ورغباتها الجنسية.
الرواية من ترجمة وضاح محمود، صدرت عن دار التنوير اللبنانية في طبعة مصرية خاصة مع دار تنمية.
غلاف رواية «الوعد والوعيد»
في خفاء الليل وبعيداً عن عيون الجيران يضرب أبطال الرواية معاولهم في أرض البيت بحثاً عن كنوز الفراعنة، نراقب الحفر تارة ونستدعي مشاهد من حياتهم تارة أخرى، لتبدأ الرواية وتنتهي لا بالحصول على الآثار، بل بالبحث والتنقيب في أرض المجتمع المصري في زمننا الحديث، وبالتفكيك بذكاء وعبر المجازات خلاصة رؤية الكاتب للمدينة التي تحولت إلى «مدينة المعدن والإسمنت والزجاج» بينما الجانب القديم من المدينة يتوسط المقابر في «طريق الملوك الجديد».
تعيد الرواية رسم موقع جديد لتبديلات خريطة القاهرة عبر تغير الأوجه المختلفة للعصور والأزمنة، المصرية القديمة والإسلامية والحداثية التي تخلو من كل فن، رحلة بحث عن الكنز تنتهي نهاية مؤلمة، هي انعكاس لرؤية محمد علاء الدين عن مستقبل المدينة التي يؤدي الحفر فيها إلى انهيارها.
الوعد والوعيد هي سابع روايات الكاتب محمد علاء الدين، وصدرت عن دار وزيز.
غلاف رواية «إنك ذاهب إلى البار»
«أنت وأمجد وآخرون» هذه هي خلاصة أحدث روايات الكاتب والشاعر يوسف رخا «إنك ذاهب إلى البار» التي تعد استكمالاً غير متصل لروايتيه السابقتين «باولو» و«التماسيح». كتبت الرواية بضمير المتكلم فتقرأها وكأنك تجلس متربعاً في عقل الراوي، منصتاً لهواجسه وأفكاره تجاه نفسه والعالم الصغير من حوله، وتتساءل عن حدود الزمن في الرواية فلا تعرف له بداية أو نهاية، لأن اللحظة الواحدة يجتمع فيها الماضي والحاضر والمستقبل، زمن مترنح كبطل الرواية الذاهب إلى البار ليقابل صديقه أمجد، أو ليقابل نفسه ويتعرف عليها من جديد في صخب الحياة وضجيجها وعتمتها.
صدرت الرواية هذا العام عن منشورات المتوسط.
غلاف رواية «الآن بدأت حياتي»
عندما تختلط المشاعر وتتعاظم بداخل الكاتب يلجأ إلى قصة تتوارى فيها تلك الخيوط المتشابكة بطريقة فنية، تحكي كل شيء وتكشف داخله الذي هو انعكاس كبير للخارج، للناس، للوطن في فترة مؤلمة ومأزومة.
هكذا ببساطة يمكنني اختصار رواية الكاتب السوري سومر شحادة «الآن بدأت حياتي» الصادرة عن دار الكرمة، رواية تكشف لنا كثيراً عن الأوجاع الداخلية لمدينة اللاذقية، لسوريا، لشباب يختبرون قسوة الحياة والفقد والموت وتتوه هويتهم في مدن عربية مهزومة ومجبرة على الألم في صمت. الرواية ليست عن جريمة قتل/ انتحار الصديق فحسب، وليست عن زيجات وعلاقات عاطفية بدأت سعيدة وانتهت بدراما حزينة، وليست عن جيل الآباء الذي يموت وحيداً في دور العجائز، ولكنها عن النهايات التعيسة والموت الداخلي لشخصيات لم تختبر من الحياة الكثير ليعلنوا نهايتهم السريعة والمؤلمة، وكأن كل شخصية بحاجة إلى شيء ما سحري لتغلق صفحات الماضي وتبدأ من جديد.
غلاف رواية «صدى يوم أخير»
ليس معتاداً أن تحمل رواية اسم كاتبين عليها، فالأدب ينتمي لشخص واحد فقط، لكن هذه الرواية «كتابة باليدين» كما تصف مي التلمساني، كاتبة تكمل فصول غير مكتملة لرواية كاتبها وأستاذها إدوارد الخراط. كواليس البحث عن المخطوط والتفكير في هذا المشروع الروائي مثيرة للتأمل، لكنها تطرح أمامنا تساؤلاً عن السبب في الكتابة، والإجابة لا تنتج عنها فقط رواية بصوتين روائيين لرجل وامرأة، جيل وجيل، ولكنها تطرح في طياتها إضاءات خاصة تخص عملية الإبداع، ومعنى الكتابة وجدواها، وذلك المنظور النقدي الذي نقرأ به النصوص ونحللها لنصل إلى جوهرها وعليه نكمل الكتابة وفق ذلك الجوهر، ليبقى السؤال: هل نكتب أصواتنا الخاصة أم إننا أصداء لأصوات أخرى ممتزجة بخيالنا وأفكارنا، خصوصاً لو كانت الأصوات الممتزجة لأساتذة ومعلمين اختبرنا معهم سماع الأصوات والرؤيا عن قرب.
صدرت الرواية هذا العام عن دار الشروق.
غلاف رواية «ألعاب عصابية»
تبدأ الرواية بـ«لم أحزن على وفاة أخي، ولن أعتذر عن قسوتي هذه» وكان هذا كافياً ليقودني لرحلة قراءة واستكشاف الكاتبة الزيمبابوية «تسيتسي دانغاريمبغا» في رواية «أحوال عصابية» وهي الجزء الأول من ثلاثية لم تترجم للعربية بالكامل بعد.
تكشف الرواية عن ذلك الظلم الذي تربت عليها البطلة منذ طفولتها فجعلتها مهمشة ومسلوبة من كثير من الامتيازات فقط لأنها فتاة، بينما أخوها أمامها يحظى باهتمام ورعاية وتدليل أكبر فقط لأنه ذكر.
«نياشا» ليست فقط فتاة متمردة تثير الجدل وتبعثر الأوراق، بل فتاة تبحث عن نفسها، تدافع عن كونها امرأة ترغب في التعليم والعمل وألا يفرقها شيء عن أي إنسان بسبب جنسها أو لون بشرتها أو حتى غناه وفقره.
الرواية صادرة عام 1988 وترجمتها للعربية «ريم داوود» في طبعة صدرت هذا العام عن دار روايات (مجموعة كلمات)
غلاف رواية «كل العشاق في الليل»
«فويوكو» امرأة ثلاثينية تعيش وحيدة وتعمل محررة أدبية، لا تجيد شيئاً غير العمل وتخلو حياتها من كل الناس ومن ممارسة الأنشطة الاجتماعية والعاطفية كغيرها من الشباب في مثل عمرها. نتابع يوميات البطلة، نراقبها عن قرب بإيقاع هادئ، ونكتشف بتعاقب الأحداث وبنظرة البطلة لعالمها أن الرواية ليس عن تلك الفتاة العادية للغاية، بل لتلك الحالة التي باتت أجيال جديدة من الشباب تختبرها وتتعايش معها، وهي تلك الوحدة والعزلة عن العالم التي تجعل حياتنا آمنة بعيداً عن الناس، وبالقرب أكثر من ممارسة الأشياء الفردية، كالعمل من المنزل، القراءة، مشاهدة الأفلام، ورؤية العالم من خلف شاشات صغيرة وكبيرة.
«كل عشاق في الليل» هي رواية يابانية للكاتبة «مييكو كاواكامي»، صدرت الرواية عن دار الآداب اللبنانية، وترجمها من الإنجليزية للعربية أحمد جمال سعدالدين.